لماذا معجزة بعد القيامة؟

(يوحنا 21) يُضيف معجزة للمسيح بعد قيامته، تبدو مشابهة كثيًا لمعجزة ستبقة

مايو 12, 2024 - 12:41
مايو 12, 2024 - 12:47
 0  3
لماذا معجزة بعد القيامة؟

برنامج عمل الكنيسة في العالم

يوحنّا 21: 1-14

كانت قيامة المسيح مِن الأموات أعظَم مُعجزة في زمن تجسُّده، لأنَّها انتصاره الكامل والدَّائم على الموت. فهل كانت هناك حاجة لمُعجزة أخرى بعدها لتأكيد حقيقة شخصه وقدرته؟ لماذا أتى يوحنّا بهذه المُعجزة بعد قيامة المسيح؟ إنَّ كلماته في (32،31:20) تبدو بوضوح أنَّها الخاتمة الطَّبيعيَّة لإنجيله. لقد ختم إنجيله، ثمَّ عاد ليُضيف مُعجزة أخرى، تبدو بحسب الظَّاهر وكأنَّها لا تُقدِّم شيئًا جديدًا، وكأنَّها تكرار لمُعجزة سابقة وردت في (لوقا 1:5-11)، وقد انفرد يوحنا بتدوينها، وكذلك بتدوين حوار المسيح مع بطرس عن تكليفه بالرِّعاية. فما الذي أراد أن يُضيفه يوحنّا هنا؟ هل برهان جديد على حقيقة قيامة المسيح؟ ولماذا هذه الدِّقَّة المُتناهية في سَرد تلك المُعجزة، إنَّها المرَّة الوحيدة التي يُذكَر فيها عدد السَّمك الذي اصطادوه (153 سمكة)، فهل لهذا العدد قصْد مُعيَّن؟

جميع أحداث ما بعد قيامة المسيح، التي دوَّنها الإنجيليُّون الأربعة، لها دلالات روحيَّة وتاريخيَّة ورمزيَّة خاصَّة. مثلًا: ظهور المسيح المُقام في العِليَّة، كان ليمنَح تلاميذه السَّلام، ويفتح أمامهم الأبواب المُغلَّقة ليخرجوا ويشهدوا بحقيقة قيامته. وظهوره مرَّة أخرى لتلاميذه ومعهم توما، دليل اهتمامه أيضًا بالفرد وبيقين إيمانه. وظهوره لبطرس مُنفردًا، كان ليؤكِّد له غُفرانه، وليُكلِّفه بالخدمة الرَّعويَّة. وظهوره لأكثر مِن خمسمئة أخٍ، كان لإزالة الشُّكوك في رواية النِّساء والتَّلاميذ. أمَّا المُعجزة التي نحن بصددها، فما هي دلالتها؟ ولماذا أضيفَت بعد خاتمة إنجيل يوحنّا؟

المُناسَبة

يرى بعض العُلماء أنَّ هذا الإصحاح زِيدَ على النَّص الأصلي الكامل لإنجيل يوحنّا بقصدٍ منه هو، كمُلحَق. حيث لا توجد أيَّة مخطوطة لإنجيل يوحنّا مِن دون ذلك المُلحق الذي أضافه يوحنّا نفسه. يبدأ بقوله: "بعد هذا"، أي بعد تلك الأحداث، التي اختتم بها إنجيله، أي في المدَّة ما بين اليوم الثَّامن من قيامة المسيح إلى اليوم الأربعين الذي صعد فيه. ولأوَّل مرَّة يستخدم يوحنَّا الفعل "أظْهَرَ" للدَّلالة على ظهور يسوع لتلاميذه. أمَّا التَّشديد في هذا الفصل فهو على شخصيَّة بطرس، وما حدث معه على الشَّاطئ الغربي لبحر طبريَّة: 

*في (21: 1-14) بطرس يقود التَّلاميذ في العودة إلى الصَّيد، وهناك تحدث مُعجزة مُدهشة غريبة.

*في (21: 15-19) بطرس يتسلَّم مُهمَّة الرِّعاية مِن المسيح، كما تسلَّم مهمَّة الصَّيد من قَبْل. 

لذلك، جاء اسمه أوَّل لائحة الأسماء السَّبعة الذين كانوا معًا. وقد أخذ بطرس المُبادرة كعادته وقال لهم: "أنا أذهب لأتصيَّد"، هل تذهبون معي؟ إنَّ علَّة وجود هؤلاء السَّبعة في الجليل هو أنَّه وطنَهُم، وقد عادوا إليه بعد عيد الفصح، وبعد أن ظهر لهم يسوع في عِليَّة أورشليم، وبناء على وعده إيَّاهم بأنَّه سيجتمع بهم هناك: "بعد قيامي أسبقكُم إلى الجليل" (متّى 26: 32)، وبناء على قوله لمريم المجدليَّة ومريم الأخرى بعد قيامته: "اذهَبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل، وهناك يرونني" (متّى 28: 10).

            كانت ليلة فاشِلة، وقد يئسوا وشرعوا يرجعون إلى الشَّاطئ، فقال لهم يسوع، قبل أن يعرفوه، وهو واقف على الشَّاطئ، أن يُلقوا الشَّبكة على الجانب الأيمن، فلمَّا أطاعوه اختبروا نجاحًا عظيمًا باصطياد سمٍك كثير وكبير. هنا تذكَّر يوحنّا المُعجزة المُشابهة السَّابقة، فاكتشف أنَّه "هو الرَّبُّ"، فأخبر بطرس على الفَور. وبينما كان يوحنّا أسرع من بطرس في الإدراك، كان بطرس أسرع من يوحنّا في العمل المبني عليه، فاتَّزر بثوبه وألقى بنفسه في البحر حتَّى يصل إلى حيث يسوع سريعًا، غير مُكتَرِث بالسَّمك الكبير الكثير الذي اصطادوه، ولا بالسَّفينة، ولا بالشِّباك، ولا بالرِّفاق. ومِن بعده جاء بقيَّة التَّلاميذ وهُم يجرُّون الشَّبكة المُحمَّلة بالسَّمك الكبير الكثير، حيث لم يقدروا أن يرفعوه إلى السَّفينة كما حدث في السَّابق (لوقا 5: 7).

برنامج عمل الكنيسة

لا بدَّ أنَّ لهذه المُعجزة دلالة أكبَر من مُجرَّد إثبات حقيقة قيامة المسيح، وأعمق من مُجرَّد ذِكر حادثَيْن يتعلَّقان ببطرس. الأرجح أنَّ يوحنّا أراد أن يضع في هذا الملحق برنامج عمل الكنيسة بعد قيامة المسيح. وهو ما سيأتي تطبيقه عمليًّا في السِّفر التَّالي/أعمال الرُّسل. فعندما تفتح الكنيسة أبوابها وتخرج خارج جدرانها وتحمل رسالة المسيح المُقام من الأموات، القائم في وسْطها، سوف تواجه هذه الحالات الثَّلاث التي اجتازها التَّلاميذ بعد قيامة المسيح، ورسمها يوحنّا في تلك المعجزة:

الحالة الأولى، الفشل الذي حلَّ بهم وهم يعملون من تلقاء أنفسهم.

الحالة الثَّانية، النَّجاح الذي أصابهم وهم يعملون بحسب إرشاد مُعلِّمهم.

الحالة الثَّالثة، الشِّبع الذي نالوه من الرَّبِّ المُقام عندما التقوا به. 

وهكذا أراد يوحنّا أن يقول إنَّ هذه المراحل الثَّلاث هي المبادئ الأساس في إرساليَّة الكنيسة في العالَم، وهي أيضًا اختبار خدَّام المسيح في إرساليَّتهم. فهم يختبرون الفشل، ثمَّ النَّجاح، وفي النِّهاية يختبرون الشِّبع الحقيقي. وهكذا وجد الآباء، الذين أقرُّوا ترتيب أسفار العهد الجديد، أن يأتي هذا المُلحق في ختام الأناجيل الأربعة، وكمُقدِّمة لسفر أعمال الرُّسل، حيث تطبيق وتحقيق ذلك البرنامج، في مُتوالية سِفر الأعمال: فشل ثمَّ نجاح، ثمَّ إشباع... وهكذا.

1. الفشل

اجتمع سبعة مِن التَّلاميذ بعد القيامة، وحَّدت القيامة صفوفهم بعد أن شتَّت الصَّليب شَملهم. أراد بطرس أن يعمل عملًا شريفًا يقتات منه، انتظارًا للقائهم بالرَّبِّ المُقام. واضح أنَّ المسيح، عندما ظهر لهم، لم يوبِّخ بطرس على ذلك، لأنَّه يُكرم قيمة العمل. لكنَّها كانت ليلة اليأس والفشل الذَّريع، لكنَّه الفشل الذي يستخدمه الله ويجعله أحد أسرار النَّجاح. فالفشل الذي يستخدمه الرَّبُّ في حياتنا خيرٌ جدًّا من النَّجاح الذي نُحقِّقه بأنفسنا. مثل هذا الفشل يُظهِر الله لنا، وعندها نُدرك أنَّ عينه دائمًا علينا. وفي الوقت الذي نشعر فيه بوحدتنا، نجد أنَّ عينه تُراقبنا وتسهَر على راحتنا. إنَّه يعرف دائمًا ما نُعاني منه، وفي اللَّحظة المُعيَّنة يمدُّ يمينه ويتدخَّل ويبدِّل الأمور.

ذلك الفشل الذَّريع كان هو النَّجاح الحقيقي. فلو نجحوا في الصَّيد في تلك الليلة، ربَّما تمادوا فيه ونسَوا مسؤوليَّات الخدمة، ودور المسيح الأساس في إنجاح عملهم. لكن العناية الإلهيَّة جعلت فشلهم في صيد سمك مِن بُحيرة طبريَّة عربونًا لنجاحهم المُقبل في صيد نفوسٍ من بحر الحياة. وما لا شكَّ فيه أنَّ فشل التَّلاميذ هنا قد أعاد إلى ذاكرتهم ذلك الحدث السَّابق المُشابِه، حين فشلوا أيضًا في ليلة بطولها، لكنَّهم بعد ذلك اصطادوا سمكًا كثيرًا بناءً على قول مُعلِّمهم، حتَّى كادت الشِّباك تتخرَّق والسَّفينة تغرق من كثرة السَّمك.

            أحيانًا لا بدَّ أن نختبر الفشل، حتَّى نعود ونُفكِّر في أسبابه الكامنة فينا، وفي إخفاقنا وفي اتِّكالنا على أنفسنا، ونعترف بكلِّ شجاعة وصدقٍ أنَّنا فشَلنا، حتَّى لو كنَّا من مُحترفي مِهنة الصَّيد. وما أكثر ما تختبر سفينة التَّلاميذ (الكنيسة وهي في بحر الحياة) العواصف والأمواج والفشل الذَّريع. لكن يسوع، الذي ينتظرها على الشَّاطئ، يأتي إليها ويُهدِّئ العواصف ويُسكِت الأمواج، ويُصدِر لها تعليماته حتَّى تصطاد النُّفوس المُعيَّنة للحياة الأبديَّة.

2. النَّجاح

رغم أنَّ الليل هو أنسَب أوقات الصَّيد، حيث الهدوء والسُّكون، إلَّا أنَّهم ظلُّوا مُعذَّبين في تلك اللَّيلة، ولعلَّهم ظنُّوا أنَّ مهنة الصَّيد قد تركتهم بعد أن تركوها. لكن، مع أشعَّة نور الفَجر ظهر لهم يسوع على الشَّاطئ، وهم لم يعرفوه. لأنَّ جسده قد اكتسب بعد القيامة خواصًّا جديدة، وإمكانيَّة الظُّهور من دون أن يراه إلَّا الذين يريد هو أن يُظهِر نفسه لهم. ففي الوقت الذي لم يتوقَّعوا فيه أيَّ صيدٍ، أظهر لهم يسوع نفسه وناداهم: "يا غلمان ألعلَّ عندكم إدامًا؟" أي ما يؤكَل مع الخُبز، والمقصود هنا السَّمك. فظنُّوه رجُلًا جليليًّا جاء ليشتري منهم سمكًا. إنَّه يعرف كلَّ شيء، لكنَّه يريدهم أن يعترفوا أوَّلًا بفشلهم. ثمَّ أرشدهم بأن يلقوا الشِّباك على الجانب الأيمن من السَّفينة، وإذْ أطاعوه اختبروا نجاحًا عظيمًا، فبدَّل فشلهم إلى نجاح، ويأسهم إلى رجاء حيّ. هنا تحرَّكت مشاعر يوحنّا الحبيب، فعرف أنَّ هذا هو يسوع، وذكَّره النَّجاح الذي اختبروه هذه المرَّة بالنَّجاح الذي اختبروه سابقًا. فقال لبطرس: "هو الرَّبُّ" إنَّه سِرُّ النَّجاح والبركة، الذي في طاعته تحوَّل الفشل الذَّريع إلى نجاح عظيم.

3. الشّـبع

بعد أن اختبروا الفشل والنَّجاح، خرجوا من السَّفينة إلى الشَّاطئ، حيث كان يسوع في انتظارهم، وقد أعدَّ لهم وجبة كاملة طازجة شهيَّة بعد ليلة مُتعِبة. فذاك الذي كان يسألهم عن السَّمك، قد جهَّز لهم السَّمك والخُبز والنَّار. ولا نعرف من أين جاء يسوع بالخُبز والسَّمك، لكنَّنا نعرف أنَّه ربُّ البَرِّ والبحر والجوِّ وكلّ ما فيها. عندما دعاهم في التقائه بهم المرَّة الأولى قال لهم: "هلمُّوا ورائي"، وهو هنا يقول لهم قُبَيل افتراقه عنهم: "هلمُّوا تغدَّوا"، مُستخدمًا الكلمة نفسها. الأولى كانت دعوة للتَّلمذة والاتِّباع، أمَّا الثَّانية فهي دعوة للشَّركة والشِّبع. وكما لبَّى التَّلاميذ الدَّعوة الأولى عن اقتناع وتركوا كلَّ شيء وتبعوه، لبُّوا الدَّعوة الثَّانية عن تهيُّبٍ امتلَك مشاعرهم هذه المرَّة. فرُغم التَّغيير الذي لاحظوه على هيئة جسده بعد القيامة، لم يجسُر أحدٌ على الشَّكِّ في أنَّه هو الرَّبُّ المُقام.

إنَّه يفكِّر في احتياجاتهم ويُدبِّرها بحسب سُلطانه، الاحتياجات العاجلة بكافَّة أنواعها، والاحتياجات البعيدة المَدى أيضًا بكافَّة تفاصيلها. وكما أشبَع بطونهم الفارغة من الطَّعام، أشبَع نفوسهم الخائرة بالتَّقدير والإكرام والتَّشجيع. ذلك عندما طلب منهم أن يُقدِّموا مِن السَّمك الذي أمسكوه للتَّـوِّ، حتَّى يُشعِرهم بأنَّهم أنجزوا شيئًا يستحقّ التَّقدير والتَّكريم. لقد أعطاهُم وهُم في حال الفشل، ومع ذلك أشعَرهم بكرامتهم وقيمتهم وإنجازهم الكبير. إنَّنا عندما نفشل لن يساعدنا ويعطينا النَّجاح فحسب، وإنَّما يعطينا تقديره لقدراتنا، ويُشجِّعنا أن نُقدِّم له ممَّا سبق أن أعطاه هو لنا. فكان لسان حالهم وهم يقدِّمون له ممَّا اصطادوا: "مِنكَ الجميع ومن يدك أعطيناك" (1أخبار 29: 14).

العدد 153

يسجِّل يوحنّا عدد ذلك السَّمك الكبير الذي اصطادوه (153) سمكة!! هذه بعض مُحاولات الشُّرَّاح في معرفة معناه:

1. رأى بعضٌ أنَّ تحويل الأرقام (1، 5، 3) إلى حروف (أ؛ ج؛ هـ)، يمكن أن يُشكِّل جُملة مهمَّة مِن ثلاث كلمات. 

2. وبعض قالوا هذا العدد مؤلَّف من ثلاثة أرقام: (100) رمز مِلء الأمم؛ (50) رمز البقيَّة المُختارة من إسرائيل؛ (3) رمز الثَّالوث الأقدس. فيكون إجمالي الرَّقم إشارة إلى الكنيسة الجامعة لليهود والأمم في الإيمان بالآب والابن والرُّوح القدس.

3. وبعضٌ رأوا أنَّ العدد (10) يرمز إلى النَّاموس والوصايا العَشر، والعدد (7) يرمز إلى مِلء هِبات الرُّوح القدس، وهما معًا (17). وإذا جمعنا الأرقام مِن 1 إلى 17 (1+ 2+ 3+..... +16 +17) نحصل على الرَّقم (153)، الذي يدلُّ على كميَّة مَحدودة لا يمكن حذف أيِّ جُزء منها، وبالتَّالي يرمز إلى جميع الدَّاخلين ملكوت المسيح بالتَّتابع، الذين لن يُفقَد أحدٌ مِنهم، والذي في شخصه العجيب التَقَت النِّعمة (7) بالنَّاموس (10). 

4. وبعضٌ رأوا أنَّه عدد أنواع الأسماك التي كانت معروفة وقتئذ، وهو أمر معروف لدى الصَّيادين، دلالة على أنَّ الكنيسة ستجمع شعوبًا من كلِّ قبيلة وأمَّة وشعب.

5. لكن الأرجح أنَّه العدد الصَّحيح لأسماك كبيرة الحجم. وإذْ كان عدد السَّمك كثيرًا، فقد اهتمَّ التَّلاميذ بإحصائه على غير المُعتاد، ومع هذه الكثرة لم تتخرَّق الشَّبكة، ولم تُفقَد سمكة واحدة ممَّا أمسكوه، دلالة على أنَّ النُّفوس التي تنضمّ إلى الكنيسة كثيرة جدًّا، ولن يُفقَد منها أحد، وسوف تصِل جميعها سالمة إلى الشَّاطئ (السَّماء) حيث ينتظرهم يسوع هناك.

6. اهتمَّ بعضٌ بمُقابلة الأسماك التي اصطادها التَّلاميذ مِن البُحيرة نفسها في المرَّة الأولى (لوقا 5)، وما اصطادوه هذه المرَّة (يوحنّا 21). فالأسماك ترمز إلى النُّفوس بحسب قول المسيح إنَّه سيجعلهم يصطادون النَّاس. فتكون الأسماك كثيرة جدًّا في المرَّة الأولى، حيث تَجمَع الشَّبكة السَّمك الكبير والصَّغير والجيِّد والرَّديء والأعشاب والأخشاب مِن البَحر، إشارةً إلى الكنيسة المنظورة المُجاهِدة وهي في العالم (ملكوت السَّموات)، إلى وقت سَحْب الشَّبكة من البحر، وفَرز الجيِّد من الرَّديء. أمَّا الأسماك الكبيرة (النَّاضجة) الكثيرة جدًّا والمَعدودة (المَحدودة) في المرَّة الثَّانية، حيث تجمع الشَّبكة عددًا محدَّدًا لا يمكن أن يُفقَد منه أحد، تكون إشارةً إلى الكنيسة المُنتَصِرة غير المنظورة وهي في السَّماء (ملكوت الله).

تطبيقات

1. اختبر التَّلاميذ هذه الحالات الثَّلاث: الفشل والنَّجاح والشِّبع. إذْ علَّمهم يسوع الدَّرس الأخير: في وقت الفشل واليأس، سوف يأتي بطريقة مُدهِشة ويُعطي النَّجاح الباهِر، ليس ذلك فقط، بل سيُعطي ويُشبِع أكثر جدًّا من المُتوقَّع، لأنَّه "هو الرَّبُّ". لم يكُن في حاجة لمعجزة جديدة يُظهِر بها قوَّته ومجده لتلاميذه بعد قيامته، بعد كلِّ البراهين التي قدَّم بها أوراق اعتماده خلال أربعين يومًا. لكنَّه أراد أن يضعهم على الطَّريق الصَّحيح للخدمة: عندما تحملون رسالة الرَّبّ المُقام إلى العالم، سوف تختبرون الفشل، لكنَّكم ستختبرون النَّجاح والشِّبع أيضًا.

2. التَّلاميذ مُجتمعون الآن في سفينة واحدة، يرمون منها الشَّبكة التي تجمع كافَّة أنواع وأحجام السَّمك. هذه هي حالة الجماعة الكنسيَّة المُرسَلة إلى بحر العالم، والتي ستجمع في أحضانها كافَّة الأجناس والأنواع والأعمار، من دون أن تتمزَّق. وبينما يقوم بطرس ورفاقه بهذه المهمَّة، فالمسيح هو الذي يُشبِع ويُغذي.

3. إذْ اختَتَم متَّى ومرقس ولوقا رواياتهم الإنجيليَّة بأمر المسيح لتلاميذه أن يذهبوا ويكرزوا بالإنجيل للعالم كلِّه، وبوعده أن يكون معهم ويُؤيِّد خدمتهم ويُثبَّتها ويُنجِحها، اختَتم يوحنّا إنجيله بمُعجزة تؤكِّد ذات المعنى لكن مِن النَّاحية التَّطبيقيَّة، وأنَّ النَّجاح مُتوقِّف على حضور يسوع بينهم بالرُّوح، وطاعتهم إرشاداته بدقَّة. وبحوارٍ بين المسيح وبطرس والتَّكليف بالرِّعاية، والتَّأكيد على أنَّها رعاية خراف يسوع وغنمه هو. فكأنَّ يوحنّا قال للكنيسة بفم يسوع: 

"اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل لجميع النَّاس.

سوف تفشلون أحيانًا، لكن ثقوا سوف أكون معكم، وفي الوقت المُناسِب يتحوَّل فشلكم إلى نجاح.

وتَشبعون وتتمتَّعون بما أقدِّمه لكم، وبما تقدِّموه أنتم أيضًا. والذين تصطادونهم ارعوهم وعلِّموهم وثبِّتوهم في الحقِّ".

مع محبَّتي وصلاتي لأجل القرَّاء الأعزَّاء

القس أمير اسحق

ما هو رد فعلك؟

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow